dimanche 22 mars 2020

الانتقال الوبائي

الانتقال الوبائي

في سياق الانتقال الوبائي

     كان أولريخ بيك مصيبا حينما صاغ مفهوم "مجتمع المخاطرة" للتعبير عن مجتمعات ما بعد الحداثة، فتناول بيك لتحولات أنماط العيش مع انتقال المجتمعات من المراحل الإقطاعية إلى الدروب الصناعية كان له الأثر الكبير على البشرية، و امتدادا لتحليلاته يرى بيك على أن العالم أصبح يعيش على صفيح ساخن سواء من خلال التوزيع غير العادل للثروات و الذي صاحبه التوزيع الغير عادل للمخاطر، أو من خلال التحول الجذري لأنماط الاستهلاك داخل المجتمعات، و من هذا المنطلق فقد أصبح العالم بشكله الجديد أمام سيل من الأسئلة التي تتمحور حول مآل البشرية في ظل هذا التطور السريع.
        و على مر العصور كانت الصحة هي أولوية الانسان ولم يعرف هذا البراديغم أي تحول داخل كل حقبة من التاريخ البشري، بل إن الأوبئة و الأمراض هددت وجود البشرية على الأرض و أحيت فكرة الفناء و النهاية في ذاكرة الناس، فقد أعطى الديموغرافي الأمريكي أبدول عمران تقسيما ثلاثيا لتاريخ الانتقال الوبائي :
المرحلة الأولى تميزت بهيمنة الأمراض المعدية و الطفيلية و تتميز هذه الفترة من الوجود الوبائي للمجتمعات الإنسانية بارتفاع نسب الوفيات الشيء الذي أثر سلبا على النمو الديموغرافي في ذلك الوقت، و في نفس السياق تميزت هذه المرحلة بتعاقب أنواع كثيرة من الأوبئة أهمها :
- الطاعون الانطوائي كما سماه المؤرخ الروماني كاسوس ديو ، فهذا الوباء الغريب كان يتسبب في وفاة ألفي شخص يوميا و قد ظهر 165 بعد الميلاد و انتهى 180 بعد الميلاد بعدما حصد 5 ملايين شخص، لكن العلماء رجحوا أن يكون هذا الوباء هو الجذري نظرا لأعراضه التي جاءت موصوفة في كتب كاسيوس ديو.
- الموت الأسود كان أشد الأوبئة فتكا عبر التاريخ و هو كذلك مرض الطاعون و قد حدث حوالي القرن 14حيث ظهر في الهند أولا قبل أن ينتشر و يجتاح مناطق شاسعة عبر أروبا و أسيا أطلق عليه الطبيب و المؤرخ الألماني "هيكر" اسم "الموت الأسود" لأنه كان يتسبب في ظهور بقع دم في طبع أسود على الجلد، و تتراوح إجمالي التقديرات للوفيات جراء هذا الوباء مابين 100 و 200 مليون قتيل.
- وباء الجذري، تسبب هذا الوباء في وفاة مابين 300 إلى 500 مليون، فهو ينتقل عبر الهواء و المتسبب فيه هو فيروس "فيرولا" الذي ينتقل عبر الهواء .
- وباء أنفلونزا 1918 أو كما أطلق عليه "الأنفلونزا الاسبانية" ليس لأنه ظهر في اسبانيا و إنما الحياد الذي تبنته هذه الدولة خلال الحرب العالمية جعل الوباء يشكل مادة دسمة للصحافة المحلية، فقد انتشر هذا الوباء عامي 1918-1919 و قدرت أعداد الوفيات مابين 50 إلى 100 مليون شخص. و تجاوز عدد المصابين 500 مليون، و تعتبر أحد أعنف الأوبئة عبر التاريخ، بل هنالك من أطلق عليها أعظم "هولوكوست" طبية في التاريخ.
- وباء التيفوس أو ما يطلق عليه "الحمى النمشية" وهو داء معدي و تعود تسميته لمعنى الدخان أو الضباب في اليونانية في إشارة إلى الهذيان كعرض أساسي للمرض و الذي تسببه جرثومة "ريكيتسيا" التي تنقل عبر الحشرات و قد ظهر في أروبا خلال القرن 17 و خلف قرابة 10 ملايين قتيل.
و بالعودة إلى تقسيم أبدول عمران نجده يؤكد على أن المرحلة الثانية للانتقال الوبائي تميزت بانحسار الأوبئة و تراجعها و ذلك بموازاة التطور التكنولوجي و التقدم الذي حصل على مستوى المجال الطبي أما المرحلة الثالثة فقد تميزت ببروز الأمراض المزمنة و التنكسية التي جاءت كرد فعل على التحول الاستهلاكي للمجتمعات و دخول التعديلات الوراثية و المواد الكيميائية للموائد داخل كل المجتمعات .
إن هذا السرد الكرونولوجي للأوبئة و التحقيب الذي اعتمدنا عليه شكل لنا مدخلا هاما للحديث عن فيروس كورونا (covid.19) الذي مثل عودة للحقبة الوبائية إلى الساحة بموازاة الأمراض المزمنة الشيء الذي يؤرق بال المجتمعات و يجعلها مهددة من كل جانب، أما المجتمع المغربي فقد أصبح من بين المجتمعات المهددة بسبب الفيروس و رغم الخطوات و التدابير المتخذة إلا أن التجارب الوبائية التي سردناها في سياق مقالنا و الأخرى التي مر منها المغرب، تنذر بحجم الخسائر خاصة حينما يتعلق الأمر بوباء معين و لعل الكم الهائل من المعلومات التي أصبحت تطرح على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي تشكل لنا قاعدة من المعطيات التي تبين لنا مدى خطورة فيروس كورونا، الشيء الذي يحتم على كل المغاربة اليوم ترك كل الخلافات وراءهم و التحلي بروح المسؤولية و إعادة تشكيل رؤاهم للواقع و عدم الاستهانة و الاستخفاف بالمرض خصوصا في الظرفية الحالية التي تتطلب تراكم الجهود و تخلي الأفراد عن نزعاتهم الفردانية .
إن ما يهمنا اليوم هو كيفية تعامل المجتمع المغربي مع الفيروس فالأفراد داخل هذا المجتمع انقسموا إلى مجموعتين الأولى تعمل جاهدا على محاولة نشر الوعي بمخاطر هذا الفيروس القاتل من خلال استغلال جميع الوسائل الممكنة ( مواقع التواصل، مؤسسات المجتمع المدني ...)، أما المجموعة الثانية فهي الأشد خطورة على المجتمع من الفيروس كله فهي تبرز لنا معالم تشكل الفيروس من سفوح واد عبقر حينما يتحدثون عن الفيروس كعقاب إلهي هذا التفسير يصل بنا إلى طريق مسدود حينما ننتقل لحقل الحلول الممكنة فنحن مطالبين بمحاربة الوباء، أما سياقات ظهوره أو بروزه لا تهمنا في المرحلة الراهنة كون أن الأمر قضي و السهم قد خرج من القوس فإما أن نلتزم بحلول عملية تجنبنا كارثة حقيقية ستظل راسخة في تاريخ المغرب الحديث أو علينا الاستعداد و تقبل عبارة الرئيس البريطاني الحالي بوريس جونسون حينما قال " استعدوا لتوديع أحبتكم". 



بعض المصادر المعتمدة
• أولريش بيك. مجتمع المخاطرة، ترجمة: د. جورج كتورة و د. الهام الشعراني، المكتبة الشرقية.
• زكرياء الابراهيمي. الصحة و المجتمع: دراسة سوسيولوجية للصحة و المرض بالمجتمع القروي، فضاء أدم للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى 2016 
مصادر على الانترنت 
https://­www.hafryat.com/ar/­blog/­هل-تبدلت-مواقف-محمد-%



الناجح محمد طالب باحث

التسميات:
واتساب

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire