jeudi 19 mars 2020

اشكاليات العلمانية في الحضارة الاسلامية المعاصرة

اشكاليات العلمانية في الحضارة الاسلامية المعاصرة

اشكاليات العلمانية في الحضارة الاسلامية المعاصرة


تقديم 

أثارت فكرة العلمانية في المحيط العربي والإسلامي إشكالات كثيرة ومتشعبة بين الدارسين والمفكرين، خصوصا بين الفاعلين الدينين والسياسيين. وراح الصراع ينمو شيئا فشيئا بين من يؤيد الفكرة ويعارضها. وشهدت فثرة النقاش حول العلمانية حدة كبيرة تفوق النقاش حول القضايا الأخرى التي انتقلت من الغرب إلى الحضارة العربية الإسلامية، وكانت العلمانية أكثر القضايا الغربية نقاشا في الساحة السياسية والثقافية العربية. لذلك احترنا في هذا المقال أن نتحدث بدورنا على هذه النقلة الفكرية، وسنحاول أن نخطو نفس المسار الذي سبقنا له مجموعة من المفكرين العرب، على رأسهم ـ محمد أركون ـ وـ عزيز العظمة ـ 
من جهة، ثم سوف ندرس اشكاليات العلمانية في مرحلة الإسلام المعاصر، وسنلاحظ كيف توسع النقاش حول العلمانية في القرنين الماضيين وحتى القرن الحالي، فالحديث عن العلمانية في المجتمعات العربية يختلف تماما عن نقاشها في العالم الغربي، لمجموعة من الأسباب، كون العلمانية كفكرة نابعة عن تاريخ الفكر الغربي ونمت في أحشاءه، في حين تعتبر في مجتمعنا العربي فكرة غريبة عنا، وأكثر من ذلك كونها مستوردة من الحضارة الغربية/المسحية، وأن تجربة العرب والمسلمون (شعوب العالم الثالث) مع العلمانية تختلف تماما عن واقعها في العالم الغربي، فعملية العلمنة هذه أتى بها الاستعمار الغربي للدول العربية الإسلامية، وفرضها عليهم بطريقة غير مباشرة. وبالتالي تم التعامل مع العلمانية من قبل الكثير من هذا المنطلق؛ أي كونها فكرة غريبة ودخيلة على ثقافتنا العربية ولا حاجة لنا بها. ونحن بدورنا سنحاول أن نفصل في هذا الأمر في هذه الورقة.

إن تناول مفهوم العلمانية في الحضارة العربية يفتقر للدقة والموضوعية، حيث تم تقليصه في جمل فقيرة الدلالة كفصل الدين عن الدولة، والتحرر من السلطة الدينية، وفصله عن المجتمع المدني. سبق وأشرنا في الفصل الأول أن العلمانية نشأة عن صراع شديد بين الدولة والدين في العالم الغربي، والحديث عنها في المجتمع العربي جاء بصفة مستوردة من الغرب، لذلك ليس من الواضح في المجتمعات العربية المقصود من العلمانية، هل هي فكرة تنظم العلاقات الاجتماعية والسياسية؟ أم مذهب جديد جاء ليحل محل الديانات السماوية؟ لذلك نجد في الخطابات والدراسات من يؤيد الطرح الأول ويدافع عنه، كما نجد من يتبنى الطرح الثاني ويدافع عنه بشراسة وقوة. فأصبحت العلمانية دون النظرة الشاملة لها أو محاولة الربط بين عناصرها وسياقاتها التاريخية والمعرفية، بل أن الأمر يعود في الكثير من الأحيان إلى مناقرة حول اشتقاق اللفظ من العلم أومن العالم، والجزم بضرورة نصب العين أو كسرها. وبالتالي حصرها أي العلمانية في الدنيوية أو بالعلموية . والحال في اعتقاد عزيز العظمة أن العلمانية في توصيفها الفكري تحتمل الاثنين وتتضمنهما معا، فهي تستند إلى النظرة العلمية بدل الدينية الخرافية إلى شؤون الكون والطبيعة على العموم، وتأثير الكلام في علم الفلك على الكلام القرآني في التكوير... فالعلمانية في هذه الحالة تؤكد على ضرورة إعمال العقل في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية والعلمية... وتقدم العقل على النقل في أمور التشريع والتنظيم السياسي، وبالتالي تعد العلمانية في هذه الحالة فكرة بالغة التعقيد وتاريخيا طويلة الأمد، لا يمكن اختزالها في جملة من الجمل أو عبارة من العبارات، لكن الإشكالية الأساسية عندنا كون العلمانية كخاصية مرتبطة بالحضارة الغربية /المسيحية، وليست من سمات التاريخ العربي الإسلامي، لكن ما يمكن الجزم فيه في هذه الحالة مع عزيز العظمة أن إمارة العلمانية العربية تندرج في تاريخ عالمي للحداثة قد لا يكون حتمي الوجهة في مبتدئه، لكنه واقع في فعله، وهوتاريخ أدي إلى انقطاع في المسار التاريخي للغرب، وإلى اتخاذ تاريخهم الحديث ديناميات جديدة، لا يقلل من أهميته ولا من أصالته كونه ناتجا عن تفاعل صدامي مع المؤثرات الخارجية، أوعن تناغم خارجي معها 1.
يعني كل ما قلناه أن العلمانية كفكرة ليست مستقاة من تاريخ الفكر العربي ولم يكن لتاريخنا أي صلة بهذه الأفكار إلى في القرن التاسع عشر حيث حضت العلمانية في العالم الغربي بطابعها الاستقراري والقانوني، وبالتالي انتهت الحضارة الغربية من حيث سنبدأ نحن، وأخد النقاش يتكاثر حول هذه الفكرة الغريبة عنا، ويعني هذا الكلام أن اعتبارنا للعلمانية ليس مستقى من سياق نظرة الشاملة للتطور التاريخي لا تأخذ بعين الاعتبار الوقائع المختلفة في التواريخ المختلفة مسارا وزمانا. ويعني ذلك أن العلمانية هي خليط من الأفكار العقائدية الحداثوية وأكثر من ذلك هي نظرية اجتماعية متناسقة ومتكاملة، وبالتالي العلمانية في هذه الحالة ليست شعارا سياسيا إلا فيما ندر. وهي في الواقع الغالب مساوقة ضمنية لحركة المجتمع والفكر في عصر الحداثة، تلك الحركة التي نحت عن أرباب الوظائف الدينية. كل ذلك حصل في أرجاء أساسية في أوروبا على امتداد قرنين أو ثلاثة، كما حصل في مجتمعاتنا العربية بوثيرة سريعة، وهذه الفترة يمكن أن نعلنها انقلابا فعليا، وهوما عبر عنه «ابن خلدون» «خلق جديد ونشأة مستأنفة» ومن الأمثلة على ذلك التحولات في ديار الخلافة في مصر والشام في العهد السلجوقي التي طالت بنى الدولة والاقتصاد والثقافة... حصل هذا عندنا عندما استبدلنا الفقهاء وقضاة الشرع بمحامين وقضاة مدنين، والشيوخ والأساتذة والمدارس الشرعية والكتائب بالكتائب الرشدية والجامعات، وعندما اعتمدنا أساسا لمعارفنا العقلية العلوم الطبيعية والتاريخية والجغرافية بدلا من الركون إلى المعرفة بالجن والعفاريت...قمنا بكل هذه التحول العلماني عندما قمنا بتقنين القوانين وعندما أقمنا نظما قضائية تتناسب والحياة العصر. وبإلقاء الردة في الدول العثمانية والجزية وتجنيد الأقباط في الجيش المصري، ونضيف إلى هذا نص القوانين العثمانية في القرن الماضي على أنه لا عقوبة إلا بنص، وأنه لا رجم في الزنا، ولا قطع في السرقة...انشغالهم في البحث عن قيم وخصوصيات وفي هذه الأحوال لا يمكن للعلمانية أن تكون خيارا أيديولوجيا بقدر ما هي واقع تاريخي موضوعي وعالمي وفي نفس الوقت، واقع اتسمت به الدول الغربية، واستطاعت من خلاله أن تحقق نجاحات على مستويات عدة، لعل أهمها المستوى السياسي والثقافي...، ونجاح الغرب عند تطبيقه للعلمانية لم يكن عن صدفة، بل تم العمل عليه من خلال النظرة الشاملة للعلمانية باعتبارها حركة فكرية وسياسية وثقافية وليست مجرد مقولة فصل الدين عن الدولة، ولعل هذا هو الخطأ الذي وقعت فيه المجتمعات العربية الإسلامية أي أنهم انشغلوا بالبحث عن كيفية انتقال المفهوم إلى العالم الاسلامي أكثر من  العلمانية.

حمزة اشتوي
طالب باحث
متخصص في الفكر الفلسفي الاسلامي


التسميات:
واتساب

1 commentaire: